وردة من بساتين التصوّف

  وردة من بساتين التصوّف

اختفى ابن مسرّة الصوفيّ الأندلسيّ بعد رحلة تلقي وتعلّم طويلة ثم عاد للظهور في ثوب يناسب الجمهور.. قال ما قال لكنّه لم يفصح عن معارفه إلا لقلّة من أصحابه.. ماذا عرف الناس عنه؟ لم يعرفوا إلا القليل.. كيف جمع بين الفلسفة والاعتزال والتصوّف؟ صار ذلك موضوعًا للبحث حتى يومنا هذا ولم يقل فيه أحدٌ الكلمة الفصل بعد! رسائل قصيرة تداولها القرّاء بعد وفاته إلّا أنّ بحرًا لا ساحل له استطاع أن يتمثّل بشيء من آثاره وعرف له فضله واستفاد من تجربته فكان ما كان من نتاج غرسه في فتوحات ابن عربيّ!

قرأ كثيرون مثنوي الروميّ وأشاد من أتوا بعده بنصوصه وأشعاره شُرح المثنوي شروحات عديدة لكن قلّة من المتصوّفة استطاعوا أن يجددوا ما نثره من ورود فصنع منها حديقة.. ومن ذلك ما فعله محمود الشبستريّ في حديقة الأسرار.. عاش الكفر والإيمان وانتقل من صراع المذاهب والأديان إلى رحاب الصوفيّة المفتوح.. استعاد صرخة الحلّاج وحكمة الغزاليّ وغربة السهرورديّ وتمهيدات عين القضاة الهمدانيّ وأجاب على أسئلة ذاته وخطّ كتابًا للسعادة حكى فيه أحواله ووقائع حياته فصارت روضته غنّاء بمعارف روحانية جعلت نصوصه مطلبًا كونيًا فترجمت أعماله للغات الأعجمية والشرقية وأعاد بعض المعاصرين إحياء سيرته بتكرار أسئلته الوجودية ومحاولة الإجابة عليها بلغة عصرية.. فكان نصّ محمّد إقبال روضة الأسرار الجديدة(گلشن راز).


سأل أحدهم محمود الشبستريّ:ماذا يكون الصنم والزّنار والرهبانية غير الكفر؟ فأجابه:"لو كان المسلم يدرك ما هو الصنم لأيقن أنّ الدين في عبادة الأصنام! ففي كلّ صنمٍ روحٌ خفيّة، وتحت كلّ كفرٍ إيمانٌ مستترٌ. فالكفرُ دائمًا في تسبيح الحقّ، وما أدقّ قول الخالق: "وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ". فمن ذا الذي زيّن وجه الصنم بهذا الحُسن؟ ومَنْ كان يعبد الصنم لو لم يشأ الحقّ ذلك؟!"

إنّ نصًّا مثل هذا حفّز قاسم غني ليعيد كتابة تاريخ المتصوّفة من جديد فكان كتابه تاريخ التصوف في الإسلام الذي نشر فيه من حديقة أسرار الشبستري ورودا كثيرة.. وما زال في حدائقهم الكثير مما لم يُنشر!

تعليقات

المشاركات الشائعة