الصوفيّ والمحبّ


 

الصوفيّ والمحبّ

المُحبُّ هي رتبة من رُتب القوم الصوفية. كنتُ في بداية التعرّف على تراث هؤلاء أصف نفسي بصفة المحبّ من باب أنني لستُ سالكًا على يد شيخ، وحينما مررت بتجربة السلوك على يد أحد المشايخ لم أكن مرتاحًا للتقيّد بقيد الطريقة، لكنّ إلحاح المحبّين للشيخ جعلني أستجيب لرجائهم وأنتسب إلى طريقتهم، التزمت وقتًا ببعض ما يلتزمون به، حتى جمعني لقاء بالشيخ في مصر المحروسة، ولقاؤه بالنسبة للمحبين أمر عظيم، تحدّث قليلًا معي، وطلب من خلفائه المخلصين أن يتركوني كما أحبّ .. ووصفني بالمحب لكن لا يسعني أن أكون معهم .. عرفت وقتها أن سكّتي بعيدة عن كلّ هذا .. ثمّ التقيت بالعديد من المشايخ لم يكن واحدًا فيهم يشبه الشيخ الذي التقيت في جماله وذكائه وأريحيته .. لم أعد أهتم كثيرًا  بما يهتم به بعض الناس، هذا شيخ كاذب أو هذا دجّال أو ذلك مجرد فقّاعة.. رؤية الأغيار كما يقول الصوفية الأوائل أعظم حجاب للإنسان يحجبه عن الرؤية ويمنعه من السير ويعيق حركته .. أنت نفسك فقّاعة تحتاج لأن تصبح هباء وتشهد أصلها وتحاول تربيتها من جديد. عرفتُ بعد ذلك أنّ الأوصاف مجرّد خدعة وأكذوبة .. فأن تصف نفسك بالمحبّ خداع للنفس وللغير .. كلّ ما تراه حولك مجرد خداع ليس أكثر .. فلا تشارك فيه..

لا تعني كثرة الأوراق المكتوبة في التصوّف أنّ فلانًا صوفيًا تأمن شرّه وكذبه.. لا تعني كثرة الأوراد أن فلانًا متصلاً بالله .. المجنون أوثق صلة بربّه من هذا المهندم الثياب الفصيح اللسان .. نحن في مرحلة أقل بكثير من مرحلة المحبّ لهؤلاء القوم .. وإذا أردت أن تعرف فاقرأ وصف المحبّ عند أي صوفيّ تتناقل الناس أقواله .. نحن في مرحلة اللا شيء والعدم .. جئنا إلى هنا ليس بإرادة منا .. مكثنا هنا قليلا بغير إرادة منا .. ندّعي ونكذب ونتعثّر ونخطئ وننام ونفيق كلّ هذا لا يد لنا فيه .. فإذا ما انتبهنا قليلاَ نستأسد ونصف أنفسنا بالأسود ونتحوّل فجأة إلى أساتذة العالم ونحن في الحقيقة مساكين جدا !

تعليقات

المشاركات الشائعة