سؤال وجواب عن التصوف والصوفية


 سؤال وجواب عن التصوف والصوفية
 بقلم: خالد محمد عبده


1-   هل أثّر ظهور التيارات المتطرفة على لجوء الشباب إلى روحانيات الصوفية؟
لم يظهر التطرف فجأة كما هو رائج اليوم، ربّما كان التعرّف على التطرّف متأخرًا فحسب لدى كثير من فئات الشعب المصري، والتاريخ المعاصر يؤكد ذلك، بداية من فترة حكم السادات حتى عهد مبارك، كانت هناك شواهد كثيرة على تفشّي التطرف في المجتمع المصري، لكن الإعلام فيما بعد قد أحسن استثمار فكرة التطرف، ولا تزال نغمة التطرف شائعة على ألسنة البعض وإن غُيّب المتصفين به في غيابات السجون.
لجأ الشباب إلى الروحانيات كفرًا بالواقع بكلّ ما حواه من تناقضات وأوهام وزيف، سواء في ذلك ما تعلّق بالدين أو بالسياسة أو بالتعليم أو بعادات المجتمع، فرغب بعض الشباب عن مواصلة التعليم على صورته الكلاسيكية، ونجح بعضهم في تجاوز عقبات الاعتراف به (متعلمًا) أو كاتبًا أو مترجمًا، وكان الأمر كذلك على مستوى التدين، فرفض كثير من الشباب الصور والوسائل المقدمة إليهم للتواصل مع خالقهم الأعلى، ذلك أنّ من قدّموا هذه الصور في الغالب لم يكونوا كأطباء القلوب السابقين، يعالجون الداء ويقدّمون ما يشبع الروح، بل قدموا للناس ما دعم برامجهم الخاصة، والتي ظهر للكافة أنّ واحدًا منهم لم يعمل بها، فكان اللجوء إلى رحاب أوسع بغية الرافضين.
وعلى عكس البناء الصوفي الذي يقتضي وجود شيخ في الطريق يسلك على يديه المريد، لجأ الشباب إلى روحانيات التصوف رفضًا للواسطة وللأبوية التي فُرضت عليهم فرضًا دمّر أحلامهم وشوّه بنيانهم.. ورغم انخراط بعضهم في بعض الطرق الصوفية المنتشرة في ربوع العالم العربي، إلاّ أنهم آمنوا بتصوف أرحب من كلّ الأيديولوجيات.

2-   ما هو تعليقك على الممارسات الصوفية الحالية؟
حاجة الإنسان إلى ربّه أو إلى رفيق أعلى أو قوة عليا أو مفارق يخاطبه ويلجأ إليه أمرٌ يدين به الكثير من الناس ولا يستغنون عنه، ينتقلون من صورة دينية إلى صورة أخرى، ويتحولون مذهبيًا كما شاءوا، باحثين عن أنفسهم أولاً، وعما يجيب على أسئلتهم الكبرى، أو يروي عطش أرواحهم.
وأغلب ما شهِدوه من صور التدين تضع قالبًا للفرد (لا بدّ) وأن يلتزم بها، ومع كثرة الفروض والواجبات يضج الناس فيخلعون عن أنفسهم هذه الصور ويحاولون تحطيم كل القوالب، وقد ساعد كثير من الشباب ما تعرّفوا عليهم من نماذج صوفية ثائرة أن ينتقلوا من (الموت) إلى (حياة الروح) وبصرف النظر عما إذا كانت الصورة التي كوّنها هؤلاء صحيحة أو يصادق عليها تراث الصوفية المسلمين إلاّ أنهم اعتبروا أنفسهم محبّين للتصوف وأعلامه، وراحوا يلتمسون كل مسحة صوفية في الأعمال الفنية والكتابية، ويقتبسون من مقالات الصوفية ما يشبع حاجتهم الإنسانية، وينقذهم من وحدتهم الموحشة.

3-    إلى أي مدى تأثرت الصوفية بانضمام جمهور جديد لها؟
انتعشت الصوفية في مصر، وشهدت اهتمامًا واسعًا اليوم، ليس بسبب الجمهور المنضم لها مؤخرًا، بل إن دعم السياسات لها ساعدها في الانتعاش، وإن لم يحسن مشايخ الصوفية استثمار هذا التوجّه نحو التصوف، روّج الشباب لكثير من الكتب التراثية العتيقة، فعاد اسم البسطامي نظرًا لشطحه الذي يقترب من فكرة الثورة على الفقهاء والمشايخ، وعاد الششتري من جديد ينشد الموشحّات، وأصبحت بعض كلماته التي نطق بها في تجواله ورحلاته الصوفية على ألسنة الشباب، ورأينا عبارات النفّري تزاحم الجرافيتي على الحوائط وعلى لافتات المكتبات، مما جعل ذكر التصوف رائجًا اليوم، ولو نهض لهذا الرواج مفكّرون يرصدونه ويرعونه حقّ رعايته لاختلف أمر التدين في البلدان العربية.
أمّا عن انتقال البعض من المظهر إلى الباطن والجواني ومن القشور إلى اللباب، فليس هناك مشكلة في أن يُعجب الإنسان بصورة ويبدي ذلك أو يعلن عنه، القيود بالنسبة لي ولغيري سدود، لكنني أحب أن أردد مع الصوفية القدامى: من أدمن طرق الباب فُتِح له!
4-   هل تأثرت (الصوفية) بالمتغيرات السياسية والاجتماعية في مصر خلال السنوات المنصرمة خاصة بعد الثورة (25 يناير)؟
تأثرت أطياف المجتمع المصري جميعًا بما حدث عيشة انتفاضات الشباب، وما أعقب ذلك من أحداث، فعلى الصعيد الديني تغيّر خطاب المؤسسة الدينية الرسمية، وشارك الأزهر في إحداث تغييرات جذرية على مستوى الحوار الديني بين المذاهب، فوجدنا ساحة الأزهر ملأى بالفرق المتصارعة: إخوان وسلفية ومحافظين من مذاهب أخرى، ومسيحيين على اختلاف مذاهبهم.
لم تكن الصوفية بمنأى عن ذلك، ولو راجعنا مشاركات الصوفية في الأحداث اللاحقة، سنجد بعضهم قد بسط يده للإخوان وتجاهل الخصومة الفكرية معهم، واستضاف قادتهم في مؤتمرات الصوفية، كما سنجد بعض الطرق الصوفية فيما بعد تأسس أحزابًا من أجل ممارسة العمل السياسي، وبعض هذه الطرق أعلنت الخصومة مع مؤسسة الحكم (الممثلة في الإخوان وقتئذ) ومن ثمّ وجدت ردّ فعل عنيف من حلفاء الإخوان.
على مستوى التصوف الرسمي كانت هناك تغيّرات واضحة، وعلى صعيد المنتسبين إلى الطرق الصوفية، رصد البعض تخلّي العديد من الشباب عن عهودهم التي قطعوها مع بعض المشايخ ورفضوا فكرهم كما رفض أقرانهم ما كانوا ينتسبون إليه.

تعليقات

المشاركات الشائعة